في تطور نادر في أروقة القضاء الدولي، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا يقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في مرحلة طلب التدابير المؤقتة.
ويُعد هذا القرار – من الناحية القانونية – خطوة ذات دلالة كبرى، ليس فقط لأنه نصر قضائي واضح لدولة الإمارات، بل لأنه أيضًا يعكس تمسك المحكمة بقواعد الاختصاص كشرط أولي وجوهري لنظر أي دعوى.
وهذا القرار لم يأتِ في سياق عادي، بل في ظل وضع إقليمي معقد، ومحاولة استغلال القضاء الدولي كمنصة إعلامية أو سياسية، الأمر الذي تصدت له المحكمة بحزم وقانونية واضحة.
ومن هنا، تظهر نقطتان في غاية الأهمية، لا بد من التوقف عندهما:
أولًا: من الناحية الموضوعية، يُعد القرار انتصارًا قانونيًا لدولة الإمارات، إذ جاء من أعلى هيئة قضائية دولية، مؤكدة أن ما تم تقديمه لم يكن كافيًا لإثبات أن المحكمة تملك صلاحية نظر النزاع. وهذا يعني ببساطة أن الدعوى افتقرت منذ بدايتها إلى الأساس القانوني اللازم لقيام المحكمة باختصاصها، مما يُظهر متانة موقف دولة الإمارات من البداية، ويُبرز أن الادعاءات المقدمة ضدها كانت خالية من الأساس القانوني.
ثانيًا: من الناحية المهنية والقانونية، فإن هذا القرار يُسلّط الضوء على أهمية الإلمام بمبدأ "الاختصاص القضائي"، سواء للمحامين أو للمتقاضين. إذ أن رفع دعوى أمام جهة غير مختصة لا يؤدي فقط إلى ضياع الوقت والجهد، بل قد يُفهم – لا سيما في المحاكم الدولية – على أنه محاولة لاستغلال القضاء لأغراض لا تتفق مع مبادئ العدالة.
ومن هنا، يجب أن يدرك الجميع، من ممارسي القانون ومن غيرهم، أن مبدأ الاختصاص هو أول ما يُبحث قبل الشروع في أي دعوى. فإن لم تتوافر هذه المعرفة لدى المتقاضي، فعليه أن يلجأ إلى أصحاب الخبرة من رجال القانون، لا أن يخوض في إجراءات قد تنقلب عليه أو تسقط دعواه من أول مراحلها.
إن قرار المحكمة بعدم الاختصاص هنا، رغم أنه قد يبدو في ظاهره إجرائيًا، إلا أنه في حقيقته يؤكد على أمرين:
- أن دولة الإمارات العربية المتحدة قدّمت موقفًا قانونيًا سليمًا ومدعومًا بقوة الدفع القانونية
- وأن استقلال القضاء الدولي ما زال يحمي ساحاته من التسييس أو الانزلاق وراء مزاعم لا تستند إلى سند قانوني
ختامًا، فإن هذا القرار ليس فقط انتصارًا سياسيًا أو دبلوماسيًا لدولة الإمارات، بل هو كذلك رسالة توعوية بالغة الأهمية يجب أن تصل إلى كل من يتعامل مع القضاء: أن الاختصاص ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو بوابة العدالة، ومن دونه لا تُفتح أبواب المحاكم.
وفي هذا السياق، أؤكد – كمستشار قانوني – أن إدراك قواعد الاختصاص ليس ترفًا قانونيًا، بل ضرورة تفرضها طبيعة التقاضي العادل، وأي تجاوز لها قد يُفقد الخصوم حقوقهم ويقود إلى نتائج عكسية تمامًا. وعلى من لا يملك هذه المعرفة ألا يتردد في الرجوع إلى أهل الخبرة، فالقانون لا يحمي فقط من يعرفه، بل أيضًا من يسعى لتعلّمه.
للمزيد من المعلومات او الاستشارات القانونية يمكنكم التواصل مع مكتب الصَفَر ومُشارِكوه. نحن هنا لمساعدتكم وتقديم المشورة القانونية التي تحتاجون إليها. تواصلوا معنا عبر +971.4.4221944 reception@alsafarpartners.com - www.alsafarpartners.com
Written By:
Mr. Mohammad Ezzelarab - Partner and Head of Litigation at Al Safar and Partners Law Firm.